Aljamaa.net يحاور القطاع النقابي لجماعة العدل والإحسان (2/1)
الأستاذان مصطفى الريق ورشيد بوصيري في اللقاء الحواري مع موقع جماعة العدل والإحسان
تشخيصا للوضع الاجتماعي والاقتصادي بالمغرب، وتسليطا للضوء على واقع المشهد النقابي وفعل النقابات والمركزيات عشية فاتح ماي 2010، ووقوفا عند أداء القطاع النقابي لجماعة العدل والإحسان وفاعليته في حمل هم الفئات المستضعفة والشغيلة والعمال، ومساءلة لآفاق العمل النقابي ومستقبل الفعل النضالي في ظل رأس مال عالمي وشركات متعددة الجنسيات عابرة القارات، تشرف الموقع الإلكتروني لجماعة العدل والإحسان باستضافة القطاع النقابي للجماعة، في لقاء حواري، ممثلا في الأستاذين الكريمين:
* الأستاذ مصطفى الريق: الأمين القطري للقطاع النقابي لجماعة العدل والإحسان، وعضو الأمانة العامة للدائرة السياسية.
* والأستاذ رشيد بوصيري: عضو المكتب القطري للقطاع النقابي، وعضو المجلس القطري للدائرة السياسية.
يتركز النقاش في أربعة محاور، هي:
1- الوضع الاجتماعي والاقتصادي بالمغرب.
2- واقع المشهد النقابي.
3- تصور وأداء القطاع النقابي لجماعة العدل والإحسان.
4- آفاق العمل النقابي دوليا أمام تحديات العولمة.
المحور الأول: الوضع الاجتماعي والاقتصادي بالمغرب
سؤال:
ما هو تشخيصكم الأولي للوضع الاجتماعي في المغرب؟
جواب:
- ذ. مصطفى الريق: بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله وسلم وبارك على النبي الأمين وعلى آله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين. بداية نشكر الإخوة الأفاضل في هيئة تحرير الموقع على هذه الاستضافة الكريمة راجيا من الله تعالى لهم التوفيق في عملهم.
إذا أردنا أن نلامس الواقع الاجتماعي بالمغرب فإننا في عبارة مختصرة يمكننا أن نقول بأنه واقع مترد، كما وصفنا ذلك في بياننا الصادر بمناسبة فاتح ماي، ينذر بكوارث خطيرة إذا لم يتم التدارك من خلال إعمال آليات العدالة الاجتماعية، ويمكن أن نقدم بعض المؤشرات التي تدل على خطورة هذا الوضع الاجتماعي من خلال بعض القطاعات الاستراتيجية التي تلامس عمق المجتمع المغربي.
لنأخذ على سبيل المثال قطاع التعليم، فإذا رجعنا إلى التقارير الرسمية فهي تتحدث عن نسب غير مسبوقة في الهدر المدرسي، وإذا أخذنا عدد الحاصلين على الشواهد العليا معتمدين على منهجية المدخلات والمخرجات وتأملنا عدد الذين يحصلون على البكالوريا والإجازة فإننا نجد نسبة المغادرين مهولة جدا. وأما إذا تجاوزنا هذه التقارير الرسمية التي تتحدث بكثير من التفاؤل، ورجعنا إلى آخر تقرير دولي صدر فيما يرتبط بالأنظمة التعليمية ل14 دولة بشمال إفريقيا، وقارنا بين المغرب وبعض الدول التي ليست لها حتى أبسط المقومات التي نتوفر عليها سنجد بأن ترتيب المغرب ترتيب مخجل جدا.
دعني آخذ شاهدا آخر وهو المخطط استعجالي، الذي جاء على أنقاض الميثاق الوطني للتربية والتكوين، ليغطي مرحلة 2009-2012، على أي أساس جاء هذا المخطط؟ بناء على أي تقويم؟ من هي الأطراف التي شاركت في اقتراحه؟ من تمثل؟... مما يجعلني متأكدا بأن أزمة هذا الورش الحساس ستراوح مكانها، وما حدث مع الميثاق سيتكرر مع المخطط الاستعجالي.
وإليك شاهد ثان من قطاع آخر لا يقل أهمية عن قطاع التعليم وهو قطاع الصحة، فإننا نجد حتى الفئة المتوسطة تعاني الآن، ولا نتحدث عن الفئة الفقيرة، لأننا أصبحنا نعيش اليوم المضاربة في قطاع حساس، أصبحنا أمام المضاربة في صحة المواطن، الآن كثير من الفئات ليست لها تغطية صحية، ثم من له تغطية صحية يمكن أن يتم التلاعب ببعض الإجراءات الإدارية التي تفوت عليه حقه في التطبيب والاستشفاء، وأعطيك مثلا بسيطا وهو تحديد موعد في مستشفى عمومي لإجراء فحص معين قد يصل أمده إلى 6 أشهر.
فإذا أخذنا فقط هذين القطاعين، بحكم أن العالم المتحضر يصنفهما ضمن القطاعات الاجتماعية الأساسية - ناهيك عن وضع البنيات الأساسية والفقر والبطالة وغيرها - فإن هذا يؤكد ما قلناه، وهو أن الوضع الاجتماعي بالمغرب فعلا وضع خطير ينذر - لا قدر الله - بالكوارث إن لم يتداركنا لطف الله عز وجل وإن لم تتضافر جهود كل الغيورين لتجاوز هذه الأزمة.
سؤال:
في ذات السياق تذكر العديد من الإحصاءات بأن: 34% من سكان المغرب محسوبون على الطبقة الفقيرة. ثلثي العاملين في القطاع العام والخاص لا يتجاوز دخلهم 3000 درهم. الفوارق في الأجور تفوق أحيانا 100 مرة. ارتفاع أسعار المواد الغذائية خلال سنة 2009 إلى أكثر من 30%. المغرب يتراجع في مجال التنمية البشرية إلى المرتبة 130، من أصل 181 دولة، متراجعا بـ4 نقاط عن سنة 2008.
تتزامن هذه التراجعات، وغيرها، في وقت دشن فيه نظام الحكم "ورشا كبيرا" هو مبادرة التنمية البشرية. أين الخلل؟
جواب:
- ذ. الريق: باختصار يمكن أن أقول بأن كثيرا من المبادرات ولدت ميتة، فإذا رجعنا إلى المبادرة المذكورة ممن انطلقت؟ وعلى أي أساس انطلقت؟ وما هي الدراسات التي اعتمدت كي نعتمد هذه المبادرة؟ ومن هي الأطراف التي اقترحت المخرج من خلال هذه المبادرة؟...
فنجد أن هذه المبادرة هي أولا للتسويق الخارجي، وللتمويه على الرأي العام الداخلي، وبالتالي فهي تحمل في طياتها معالم الفشل.
فكيف يمكن أن نتحدث عن تنمية بشرية والحال عندنا أن البشر منهم من يسكن في المراحيض ومنهم من يسكن الأشجار؟! كيف يمكن أن نتحدث عن تنمية بشرية وحالة الأمية الأبجدية في المغرب تتجاوز النصف؟! فلا يمكن إذن أن نتحدث عن تنمية بشرية مع إهمال العنصر المحوري وهو الإنسان. كيف يمكن أن نتحدث عن تنمية بشرية في ظل نظام مستبد يصادر الحريات العامة ؟! كيف يمكن أن نتحدث عن تنمية بشرية في ظل ضعف يقارب العدم للغلاف المخصص للبحث العلمي؟! كيف يمكن أن نتحدث عن تنمية بشرية في ظل إهمال الكفاءات وتهميشها وقمعها حيث نجد الكثير من الدكاترة المعطلين يتعرضون لقمع ممنهج بشكل يومي تتنوع فيه وجبات العصا المخزنية أمام مؤسسة البرلمان التي يفترض فيها تمثيل الشعب؟!... فمبادرة مثل هذه هي لتسويق الوهم أكثر منها معالجة لواقع مكروه.
- ذ. رشيد بوصيري: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على النبي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين.
بالنسبة لإشكالية الوضع الاجتماعي بالمغرب هي بالأساس إشكالية التنمية البشرية والتنمية المستدامة، هذه العناوين العريضة التي نستوردها من منظومة أنبتت في بيئة ديمقراطية وحقوقية، ونحاول نحن أن ننبتها في أرض الاستبداد ومحاربة الكفاءات الوطنية، هذه الإشكالية - التنمية البشرية- يمكن أن نتحدث عنها من خلال عنوان كبير وهو أن طريقنا إلى التنمية طريق مسدود على اعتبار 3 عوائق كبرى:
العائق الأول هو المستوى المتخلف للحقوق السياسية والمدنية التي نحرم الشعب من ممارستها. إننا
نقف في المستوى الذيلي للممارسة الديمقراطية سواء على المستوى المحلي أو الوطني، على مستوى المؤسسات التمثيلية (برلمان) أو على مستوى مؤسسات تدبير الشأن المحلي (الجماعات المحلية).
العائق الثاني هو التنمية المتخلفة رغم المشاريع الاجتماعية المكلفة لكنها تظل وهمية في الواقع الاجتماعي. أشرتَ إلى المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي دخلت عامها الخامس، والتي يمكن الحديث عنها من خلال ثلاثة عناوين كبرى: أولا أنها مشروع يروم أن يكون مشروعا مجتمعيا لكنه للأسف جاء من جهة واحدة، لم تشرك في إعداده و تنزيله لا فعاليات المجتمع المدني ولا الأحزاب، فقط يُؤتى بها لكي تصفق وتبارك ما يقوم به الاستبداد.
العنوان الثاني وهي أنها مشروع مستعجل لأنه جاء في سياق تقرير الألفية للتنمية البشرية الذي وضع المغرب في مراتب متدنية. ثم العنوان الثالث وهو أن المبادرة جاءت في سياق ما سمي بالعهد الجديد بحيث كان النظام ولا يزال في حاجة ماسة إلى تسويق الوهم والوعود لضمان استمرار الاستبداد.
فهي إذا تنمية متخلفة رغم المشاريع الوهمية، وسنؤكد ذلك لاحقا من خلال مجموعة من المؤشرات الرقمية.
العائق الثالث وهو أن اقتصادنا المغربي اقتصاد ريعي، يعتمد على مجموعة من القطاعات الاستراتيجية كالفوسفاط مثلا الذي شكل رافعة اقتصادية خلال 2008 والتي تضاعف فيها ثمنه ثلاث مرات في الأسواق الدولية، لذلك يمكننا أن نقول بأنه ليست لدينا آليات عميقة لاقتصاد قوي يشكل بنية متماسكة. فالاقتصاد الحقيقي يقف على مجموعة من الأركان هي الفلاحة والصناعة... هناك فقط اقتصاد ريعي مرهون بمراكز القرار المالي الدولي ومثخن بالديون السلبية (مديونية متصاعدة مقابل استثمار غير بنيوي).
وأذكر هنا بعض المؤشرات التي تؤكد أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في المغرب أفقها مسدود:
المؤشر الأول: صدر تقرير التنمية البشرية لسنة 2009 بمؤشرات تزيد الطين بلة وتؤكد تخلف التنمية البشرية حيث جعل المغرب في الرتبة 96 من أصل 135 دولة متخلفة (تسمى تجاوزا الدول السائرة في طريق النمو)، بمعنى آخر أن المغرب على رأس 40 دولة من أفقر دول العالم.
المؤشر الثاني: هو مؤشر الفقر (يسمى Iph-1) يتراوح بين حد أدنى 1.5 وحد أقصى 59.8 كنسبة مائوية لمعدل الفقر. المغرب يحتل نسبة 31.3% والحال أنه كلما كان هذا المؤشر قريبا من 59 كلما كانت نسبة الفقر عميقة وبنيوية.
المؤشر الثالث: احتمال الوفاة قبل 40 سنة، هذا المؤشر بالنسبة للمغرب يمثل 6.8%، بمعنى أن أكثر من 2 مليون و300 ألف مغربي مهددون بالموت قبل 40 سنة. وهذه نسبة خطيرة، حيث ظل هذا المؤشر يراوح مكانه منذ 1999 إلى 2007.
المؤشر الرابع: نسبة الساكنة المغربية المحرومة من الماء الصالح للشرب تصل إلى 17%.
المؤشر الخامس: أطفال أقل من 5 سنوات يعانون من قصور في التغذية المتوازنة نسبتهم 10% من سنة 2000 إلى 2006.
المؤشر السادس: الساكنة التي تعيش تحت خط الفقر (أقل من 14 درهما في اليوم) تصل إلى 14% من 2000 إلى 2007.
فمن خلال هذه المؤشرات يظهر أن مشكل التنمية البشرية في المغرب عميق ولا زلنا نبحث عن الحل، وما زالت الأشكال والآليات المعتمدة في التعامل مع التنمية البشرية لم تأخذ الطريق الصحيح نحو الحكامة الجيدة.
سؤال:
في الوضع الاجتماعي دائما، كشفت الفيضانات الأخيرة في الغرب وعدد من مدن الوسط والشرق والجنوب (وحتى الدار البيضاء) هشاشة البنى التحتية والمرافق العامة. كيف تقرؤون ذلك وما دلالاته؟
جواب:
- ذ. الريق: الكل يعرف أن البنيات التحتية عنصر أساسي في أي تنمية، لكن نظرا لطبيعة من يدبر الشأن العام بالبلد وطبيعة المؤسسات التي تُفرزها المسرحية الانتخابية، من جماعات ومجالس بلدية التي من شأنها أن تدير الشأن المحلي، نحن نعرف أن من يدخلون هذه المجالس كثير منهم يعتبرها فرصة لجمع الثروة والانتفاع الذاتي وبالتالي لا همّ لهم سوى أن يسترجعوا ما أنفقوه في الحملة الانتخابية، وعليه فهم غير معنيين بإعداد أساسات التنمية البشرية. ولذلك فمن الطبيعي جدا أن نرى هشاشة البنيات التحتية. والأخطر من ذلك أن الدولة تدرك نقاط هذه الهشاشة ومع ذلك تمنع أطرافا أخرى من أن تساهم في التخفيف من معاناة الفئات المحرومة، وعلى رأس هذه الأطراف جماعة العدل والإحسان التي منع أعضاؤها من مد يوم العون لهذه الفئات المتضررة من الفيضانات حيث تعامل المحزن معنا بهاجس سياسوي، فلا الدولة تدخلت ولا هي سمحت لأطراف أخرى أرادت على الأقل أن تهون على الناس وقع الصدمة وتقدم أقل ما يمكن أن يقدم.
سؤال:
أمام هذا الوضع، يلاحظ تزايد الاحتجاجات الشعبية في المدن والقرى (حتى بتنا نسمع عن النزوح الجماعي). هل يمكن أن نعتبرها بداية المساءلة الشعبية الجادة لتدبير الدولة للشأن الاجتماعي والاقتصادي، أم إنها احتجاجات عفوية سرعان ما تولي أدبارها؟
جواب:
- ذ. الريق: نسجل في البداية ملاحظة وهي أن كثيرا من هذه الاحتجاجات أصبحت خارجة عن إطار المركزيات النقابية، بل تحركها إطارات أخرى من قبيل التنسيقيات وبعض الهيئات الحقوقية. ونستنتج مما سبق غضب فئات عريضة وتذمرها من أداء المركزيات النقابية ومن غياب الديمقراطية في هياكلها الداخلية.
لكن في نفس الوقت لا يمكن أن نقول بأن هذه الاحتجاجات علامة على بداية صحيحة يمكن أن تحول من حركة احتجاجية ظرفية إلى حركة اجتماعية تكون قادرة على انتزاع المطالب المشروعة والإسهام في تحول اجتماعي حقيقي في البلد. وقد تابعنا ما وقع في انتفاضتي سيدي إفني وصفرو والإضرابات النوعية لسائقي الطاكسيات، تبدأ هذه الإضرابات بقوة وتنتهي بنتائج ضعيفة لعدم وجود جهة نقابية تحتضن هذه الحركة، ولذلك ليست هناك تربة طبيعية كي تتحول هذه الاحتجاجات إلى حركة حقيقية.
وفي هذا السياق نطرح ضرورة حوار بين المركزيات النقابية كي تؤسس لفعل راشد من شأنه أن يخرج عامة الشغيلة من هذا الوضع المتأزم الذي نتحدث عنه، وإلا ففي كل مرة سنلاحظ احتجاجا في هذا القطاع أو ذاك لكن سرعان ما يخبو لغياب التأطير الجدي والمسؤول وإلا لا قدر الله قد يصبح للأمر نتائج عكسية حين يتحول الاحتجاج نفسه إلى حالة إحباط لأن ما وقع في سيدي إفني وصفرو وغيرهما انطلق بحركة قوية لكن في تقويم النتائج قد يصابون بالإحباط. لذلك ومن هذا الموقع نحن نؤكد على ضرورة فتح حوار جدي بين كل الفاعلين النقابيين والاجتماعيين قصد تشكيل حركة اجتماعية قوية تكون بداية الحل.
سؤال:
ارتباطا دائما بهذا الوضع الاجتماعي وبالمؤسسات الكبرى التي يمكن أن تقود التنمية البشرية.
ما هو موقفكم في القطاع النقابي لجماعة العدل والإحسان من تأهيل العديد من القطاعات الاستراتيجية العامة في اتجاه الخوصصة؟
جواب:
- ذ. بوصيري: بالنسبة لمسألة الخوصصة هي صيرورة بدأت منذ سنة 1989 بالمصادقة على قانون تحويل المنشآت العامة إلى القطاع الخاص، وهو مخطط رهيب، لماذا؟ لأنه في البداية توجه المشرع أن لا تدخل المؤسسات الإستراتيجية إلى لائحة المؤسسات المقبلة على الخوصصة، لكن بالمصادقة على القانون رقم 69.00 في 2003 تكون الدولة قد دخلت حمى المؤسسات الإستراتيجية بتهييئها وإعادة هيكلتها ليسهل تحويلها إلى القطاع الخاص، كذلك كان هذا المخطط يقوم بعملية ما يسمى إغراق المؤسسات العامة في مديونية عميقة وذلك بتوريط هذه المؤسسات من خلال مشاريع وهمية أو غير ناجعة، بحيث أن بعض المؤسسات الاستراتيجية في المغرب - وهذا مؤشر خطير- أصبح حجم الدّين الخارجي لديها يُضاعف ثلاث مرات حجم أصولها ، وهذه استراتيجية معروفة ب"التخريب قبل التحرير". ويشهد على ذلك التقرير – والتقريع- الصادر في 2010 عن المجلس الأعلى للحسابات، فرغم انتقائية الملفات وغياب آليات للمحاسبة الشفافة، قد نقول إن هذه التقارير توظف توظيفا سياسويا لأجل ابتزاز الفاعلين السياسيين.
التخلي عن القطاعات الاستراتيجية لم يتوقف يوما حيث هي الآن تعد على رؤوس الأصابع: هناك بريد المغرب الذي حُول إلى شركة مساهمة مع قانون صودق عليه في 2009، المكتب الشريف للفوسفاط أصبح كذلك شركة مساهمة، المكتب الوطني للماء والمكتب الوطني للكهرباء اللذان يدمجان في إطار مؤسسة واحدة لكي يسهل جمع كل الأنشطة التي يقومان بها من خلال مؤسسة عمومية في مرحلة أولى ثم إلى شركة مساهمة مهيأة للرأس المال الأجنبي فيما بعد. إذن هي مؤسسات عمومية الآن لكنها مهيأة لكي يتم التخلي عنها للخواص.
سؤال:
لحل عدد من الاختلالات الاجتماعية والاقتصادية، خاصة ما يرتبط منها بالعمال والأجراء والفئات الشغيلة، تنخرط الحكومة والنقابات وأرباب العمل في آلية الحوار الاجتماعي.
ما هو تقييمكم لنتائج هذا الحوار، وسير الحوار الاجتماعي في المغرب؟
جواب:
- ذ. الريق: أولا نحن نتحدث عن معايير متعارف عليها دوليا ولكن البيئة المغربية الممخزنة لا تستجيب لهذه المعايير، فقد تواضع الناس في كل بلدان العالم على دلالة معينة للحوار الاجتماعي، فطرف يمثل الدولة وطرف يمثل أرباب العمل ثم طرف ثالث يمثل الأجراء وهي المركزيات النقابية الأكثر تمثيلا، هذا ما تواضع عليه الناس. ولكن كل شيء في المغرب ينبغي أن نفحصه بدقة لأننا أمام معايير مختلفة، فمثلا عندما نتحدث عن الحوار الاجتماعي في المغرب فإننا نتحدث بكثير من التجاوز، إذ المفروض أن الحكومة تحكم فعلا، لكننا في المغرب أمام حكومة للواجهة تدبر تعليمات الحكومة الفعلية الخفية، وأيضا عندما نتحدث عن أرباب العمل فهم أنفسهم يعانون من ضغط المخزن الاقتصادي، لأنهم رهينة لأصحاب القرار، وأيضا عندما نتحدث عن المركزيات النقابية فإننا نتحدث عن طرف آخر له خطوط حمراء لا يمكن أن يتجاوزها. فإذن نحن نتحدث عن حوار هو أقرب إلى المجاز منه إلى الحقيقة.
لكن على كل حال، فمن خلال تتبع الحوار الاجتماعي لهذه السنة، ومن خلال تتبع ما أعلنت عنه الحكومة -من حصيلة اجتماعية هزيلة- من جانب واحد دون الرجوع إلى المركزيات النقابية يتبين أن هناك خللا بنيويا لأن كل طرف لا يملك قراره بيده فلا الحكومة تملك قرارها بيدها لأنها صورية، ولا أرباب العمل لهم كامل الحرية في تدبير ملفاتهم بمعزل عن إكراهات المخزن الاقتصادي ولا المركزيات النقابية قادرة على الدفاع عن المطالب العادلة للشغيلة.
ثانيا: واقع المشهد النقابي
سؤال:
كيف تقرؤون من داخل القطاع النقابي للعدل والإحسان بعض التنسيقات التي تمت بين بعض المركزيات النقابية في بعض المحطات النضالية والإضرابات وهل هذا في صالح المشهد النقابي؟
جواب:
ذ. مصطفى الريق: الأمين القطري للقطاع النقابي لجماعة العدل والإحسان
- ذ. الريق: إذا رجعتم إلى بيان فاتح ماي تجدون تنويها بهذا التنسيق لأننا نعتبره خطوة في اتجاه الجبهة النقابية التي ندعو إليها. فنحن نرى أن التفتت والتشرذم النقابي لا مبرر له ولا يخدم أحدا، ونرى أن العمل المشترك هو السبيل للخروج من هذا الواقع، وهو في نظرنا اختيار استراتيجي، ونتمنى أن لا يكون هذا التنسيق اختيارا تكتيكيا رهين ببعض الظرفيات والملفات آملين أن يتحول إلى اختيار استراتيجي يقتنع به الجميع ويعمل من أجل تحقيقه.
سؤال:
ما هي الخطوات الأخرى للخروج بالعمل النقابي من واقع التشرذم إلى أفق أفضل للجميع؟
جواب:
- ذ. بوصيري: حقيقة هناك واقع نقابي متشرذم، وليست له فاعلية لدرجة أن الحكومة تجاوزت المركزيات النقابية في ملف كبير من حجم الحوار الاجتماعي، ينبغي أن نذكر بمسألة مهمة للتاريخ كانت بمثابة العامل الموحد للفاعلين النقابيين في المغرب عند تأسيس الاتحاد المغربي للشغل سنة 1955 حيث استطاعت مركزية وحيدة أن تجمع كل الأطراف والأطياف -سلفية وطنية، يسارية...- حول مشروع مجتمعي –استقلال المغرب- استطاع أن يوحد الجميع، لكن بعد ذلك تحول المشروع المجتمعي المشترك إلى مشاريع ظرفية إما بسبب التموقع مع المخزن أو بسبب الحزبية الضيقة.
فبالنسبة لنا نعتبر أن المدخل الحقيقي للخروج بالعمل النقابي من أزمته الحالية هو بناء حركة نقابية يكون عنوانها: العمل المشترك، ومشروعها حركة اجتماعية، وأساسها الحرية، وهدفها العدالة الاجتماعية. ولذلك فنحن نحذر، في حال عدم التوافق على هذا الحل، أن يزداد الوضع النقابي تشرذما والأزمة استفحالا، بل أكثر من هذا نحذر من مشروع المخزن النقابي، فقد عشنا عواقب المخزن السياسي والاقتصادي سابقا، والآن نعيش بوادر مشروع المخزن النقابي من خلال مناوراته بجمع فلول الغاضبين والمتذمرين من الوضع الحالي الناتج عن عدم تطوير المركزيات النقابية لأدوات اشتغالها وخطابها مما نتج عنه بون شاسع بين القيادات والقواعد ولعل المتتبع لمسيرات فاتح ماي يلمس هذا العزوف.
سؤال:
دائما في إطار الحديث عن أزمة العمل النقابي الراهنة وتراجع المركزيات جماهيريا نلاحظ أنه في انتخابات المأجورين الأخيرة حصل اللامنتمون على ما يفوق نسبة 64 في المائة من المقاعد. هل هي إدانة للعمل النقابي في المغرب؟
جواب:
ذ. رشيد بوصيري: عضو المكتب القطري للقطاع النقابي للجماعة
- ذ. بوصيري: ظاهرة المستقلين في الانتخابات المهنية الأخيرة هي إشكالية لها أكثر من قراءة، فالمركزيات النقابية تعتبر مناديب العمال غير المنتمين لها أداة السلطة لضرب العمل النقابي، في حين يرى المستقلون أن العمل النقابي بشكله الحالي، أي في غياب الديمقراطية الداخلية وسيادة التبعية الحزبية لم يعد إطارا مريحا للعمل والاشتغال، إذن هناك قراءات متعددة، لكن في نظرنا هي ظاهرة جديرة بالدراسة والرصد، خاصة في القطاع الخاص الذي تعتبر الحكومة أن وجود المستقلين فيه هو ضمانة وعامل مشجع لاستقطاب الاستثمار الخارجي، ونرى أنه على العكس من ذلك هو إحدى المؤشرات على غياب حرية العمل النقابي وهو ما تعكسه التقارير الدولية.
- ذ. الريق: إضافة لما تفضل به الأستاذ رشيد، نُذكر بأن هذه أول انتخابات مهنية تُجرى في ظل مدونة الشغل الجديدة التي ركزت في ديباجتها على ضرورة تشجيع الاستثمار الأجنبي، فمن الطبيعي أن تعمل الحكومة جاهدة على إبراز هذا المؤشر والنفخ فيه ليكون رسالة طمأنة موجهة للأجانب بالأساس، وهو في نفس الوقت رسالة ضغط موجهة إلى المركزيات النقابية لكي تعرف حجمها وتتفاوض من موقع الضعيف الذي ينبغي أن يقبل بنتائج الحوار كيفما كانت.
سؤال:
البعض يشكك في جدية العمل النقابي الآن خاصة المرتهن منه سياسيا وحزبيا، ماهو التوازن المطلوب في العلاقة بين السياسي والحزبي والنقابي؟
جواب:
- ذ. الريق: للأسف نلاحظ أن كل حزب سياسي في المغرب يؤسس نقابة ملحقة به تمرر خطابه وتساهم في الدعاية السياسية له في الانتخابات وغيرها، لذا نعتقد أن النقابة الحزبية أضرت بالعمل النقابي عموما، وكانت سببا في عزوف الكثيرين عنه، أو سببا في إحداث إطارات عمل خارج المركزيات. وفي اعتقادنا إذا كان هدف العمل النقابي هو الدفاع عن المصالح المادية والمعنوية لمن يمثلهم، وهو هدف يشترك فيه كل الفاعلين النقابيين، فلماذا هذا التفتيت والتشرذم؟ ولذلك فنحن ندعو إلى إطار نقابي جامع يضم كل الأطراف مهما اختلفت مشاربها السياسية وقناعتها الفكرية، وفي هذا السياق ننوه بالتجربة التي خاض غمارها الاتحاد الوطني للمهندسين المغاربة في مؤتمره الأخير، حيث تضافرت جهود الجميع من أجل إعادة بناء الاتحاد رغم اختلاف الانتماءات السياسية والإيديولوجية وهو ما أعطاه زخما قويا وجعله إضافة نوعية في تاريخ العمل النقابي المغربي.
سؤال:
من داخل الممارسة الميدانية ما هو واقع حرية العمل النقابي (حق النقابات وممثليها في العمل النضالي والنقابي اليومي)؟
جواب:
- ذ. بوصيري: إشكالية الممارسة النقابية هي تابعة للإشكالات السابقة، فحرية الممارسة النقابية بالمغرب معرضة للتضييق أكثر من أي وقت مضى، إشكال نقابي ذاتي أصلا، إذ أن محاربة العمل النقابي الجاد تأتي أحيانا من داخل الدار وهو نتاج هيمنة الحزبي على هموم النقابة مما يدخل النقابات في صراعات بينية.
ومن جهة ثانية هناك جيل من الممارسين النقابيين الذين لم يعودوا مقتنعين بالمقاربة الظرفية لرواد العمل النقابي الذين ما زالوا على هرم المركزيات النقابية منذ التأسيس. هناك جيل أصبح يبحث عن ذاته ويمارس العمل النقابي بامتياز وبسقف نضالي ربما أعلى من المركزيات نفسها، هذا الجيل الآن أصبح يضع القيادات التاريخية للنقابات أمام خيارات، إما استيعاب هذه الممارسات النقابية وفتح المجال من أجل بناء نقابية جادة وحركة اجتماعية تأخذ زمام المبادرة، وإما ستنقلب هذه القيادات الشابة على تلك القيادات التاريخية.
أما الإشكال الثاني فهو تحكم الحزبي في النقابي، فإشكالية العمل النقابي في المغرب مرهونة بالأساس بالتبعية المكرهة للخيارات الحزبية. ينبغي للنقابات أن تتحرر من هذه التبعية، ينبغي أن تأخذ زمام المبادرة، ينبغي أن يكون لها مقاربتها الاجتماعية لبحث وإيجاد حلول عملية من خارج المقاربة الحزبية المرتهنة للمخزن.
إن استوفينا هذه الشروط، إن أكدنا على البناء الذاتي للحركة النقابية، وفتح المجال لهؤلاء الشباب الممارس الذي تمرد على الخطوط الحمراء للقيادة التاريخية، إن أبعدنا العمل النقابي عن الجانب السلبي للتبعية الحزبية، سيمكننا أن نجابه المخزن الذي يحارب العمل النقابي. من غير هذا الإعداد الأولي لا يمكننا أن ننتصر في معركة إحقاق حق الممارسة النقابية.
سؤال:
سينعقد يوم 28 و29 ماي المقبل المؤتمر التأسيسي لكيان جديد هو "اتحاد النقابات المستقلة بالمغرب". كيف ستتعاطون مع هذا الوليد الجديد؟ وهل هذا التأسيس في صالح المشهد النقابي المغربي؟
جواب:
- ذ. الريق: أولا نحن في عنوان بيان فاتح ماي الأخير، أكدنا على مبدأ الحرية. لكن معالم التأسيس بخصوص هذا الاتحاد لما تتضح بعد، ونحن نعلم أن المبادرين لتأسيس النقابات المستقلة هم في مجملهم كانوا غاضبين على غياب الديمقراطية الداخلية والبعد النضالي في المركزيات التي كانوا ينتمون إليها. فإن كان تأسيس هذا الاتحاد نابعا من إرادة مستقلة، تعكس رغبة هذه الهيئات قصد توحيد الفعل النضالي وتقويته فلا يسعنا إلا أن نحيي المبادرة.
لكن التحدي المطروح أمام هذا الاتحاد هو هل سيتمكن فعلا من إعمال آليات الديمقراطية الداخلية ومن رفع سقفه النضالي في ظل الإكراهات المشار إليها سابقا؟ أم ستتسرب إليه يد المخزن وتفعل به ما فعلت بغيره؟.
يتبع بالجزء الثاني من الحوار
تاريخ النشر: السبت 1 ماي/أيار 2010
الأستاذان مصطفى الريق ورشيد بوصيري في اللقاء الحواري مع موقع جماعة العدل والإحسان
تشخيصا للوضع الاجتماعي والاقتصادي بالمغرب، وتسليطا للضوء على واقع المشهد النقابي وفعل النقابات والمركزيات عشية فاتح ماي 2010، ووقوفا عند أداء القطاع النقابي لجماعة العدل والإحسان وفاعليته في حمل هم الفئات المستضعفة والشغيلة والعمال، ومساءلة لآفاق العمل النقابي ومستقبل الفعل النضالي في ظل رأس مال عالمي وشركات متعددة الجنسيات عابرة القارات، تشرف الموقع الإلكتروني لجماعة العدل والإحسان باستضافة القطاع النقابي للجماعة، في لقاء حواري، ممثلا في الأستاذين الكريمين:
* الأستاذ مصطفى الريق: الأمين القطري للقطاع النقابي لجماعة العدل والإحسان، وعضو الأمانة العامة للدائرة السياسية.
* والأستاذ رشيد بوصيري: عضو المكتب القطري للقطاع النقابي، وعضو المجلس القطري للدائرة السياسية.
يتركز النقاش في أربعة محاور، هي:
1- الوضع الاجتماعي والاقتصادي بالمغرب.
2- واقع المشهد النقابي.
3- تصور وأداء القطاع النقابي لجماعة العدل والإحسان.
4- آفاق العمل النقابي دوليا أمام تحديات العولمة.
المحور الأول: الوضع الاجتماعي والاقتصادي بالمغرب
سؤال:
ما هو تشخيصكم الأولي للوضع الاجتماعي في المغرب؟
جواب:
- ذ. مصطفى الريق: بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله وسلم وبارك على النبي الأمين وعلى آله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين. بداية نشكر الإخوة الأفاضل في هيئة تحرير الموقع على هذه الاستضافة الكريمة راجيا من الله تعالى لهم التوفيق في عملهم.
إذا أردنا أن نلامس الواقع الاجتماعي بالمغرب فإننا في عبارة مختصرة يمكننا أن نقول بأنه واقع مترد، كما وصفنا ذلك في بياننا الصادر بمناسبة فاتح ماي، ينذر بكوارث خطيرة إذا لم يتم التدارك من خلال إعمال آليات العدالة الاجتماعية، ويمكن أن نقدم بعض المؤشرات التي تدل على خطورة هذا الوضع الاجتماعي من خلال بعض القطاعات الاستراتيجية التي تلامس عمق المجتمع المغربي.
لنأخذ على سبيل المثال قطاع التعليم، فإذا رجعنا إلى التقارير الرسمية فهي تتحدث عن نسب غير مسبوقة في الهدر المدرسي، وإذا أخذنا عدد الحاصلين على الشواهد العليا معتمدين على منهجية المدخلات والمخرجات وتأملنا عدد الذين يحصلون على البكالوريا والإجازة فإننا نجد نسبة المغادرين مهولة جدا. وأما إذا تجاوزنا هذه التقارير الرسمية التي تتحدث بكثير من التفاؤل، ورجعنا إلى آخر تقرير دولي صدر فيما يرتبط بالأنظمة التعليمية ل14 دولة بشمال إفريقيا، وقارنا بين المغرب وبعض الدول التي ليست لها حتى أبسط المقومات التي نتوفر عليها سنجد بأن ترتيب المغرب ترتيب مخجل جدا.
دعني آخذ شاهدا آخر وهو المخطط استعجالي، الذي جاء على أنقاض الميثاق الوطني للتربية والتكوين، ليغطي مرحلة 2009-2012، على أي أساس جاء هذا المخطط؟ بناء على أي تقويم؟ من هي الأطراف التي شاركت في اقتراحه؟ من تمثل؟... مما يجعلني متأكدا بأن أزمة هذا الورش الحساس ستراوح مكانها، وما حدث مع الميثاق سيتكرر مع المخطط الاستعجالي.
وإليك شاهد ثان من قطاع آخر لا يقل أهمية عن قطاع التعليم وهو قطاع الصحة، فإننا نجد حتى الفئة المتوسطة تعاني الآن، ولا نتحدث عن الفئة الفقيرة، لأننا أصبحنا نعيش اليوم المضاربة في قطاع حساس، أصبحنا أمام المضاربة في صحة المواطن، الآن كثير من الفئات ليست لها تغطية صحية، ثم من له تغطية صحية يمكن أن يتم التلاعب ببعض الإجراءات الإدارية التي تفوت عليه حقه في التطبيب والاستشفاء، وأعطيك مثلا بسيطا وهو تحديد موعد في مستشفى عمومي لإجراء فحص معين قد يصل أمده إلى 6 أشهر.
فإذا أخذنا فقط هذين القطاعين، بحكم أن العالم المتحضر يصنفهما ضمن القطاعات الاجتماعية الأساسية - ناهيك عن وضع البنيات الأساسية والفقر والبطالة وغيرها - فإن هذا يؤكد ما قلناه، وهو أن الوضع الاجتماعي بالمغرب فعلا وضع خطير ينذر - لا قدر الله - بالكوارث إن لم يتداركنا لطف الله عز وجل وإن لم تتضافر جهود كل الغيورين لتجاوز هذه الأزمة.
سؤال:
في ذات السياق تذكر العديد من الإحصاءات بأن: 34% من سكان المغرب محسوبون على الطبقة الفقيرة. ثلثي العاملين في القطاع العام والخاص لا يتجاوز دخلهم 3000 درهم. الفوارق في الأجور تفوق أحيانا 100 مرة. ارتفاع أسعار المواد الغذائية خلال سنة 2009 إلى أكثر من 30%. المغرب يتراجع في مجال التنمية البشرية إلى المرتبة 130، من أصل 181 دولة، متراجعا بـ4 نقاط عن سنة 2008.
تتزامن هذه التراجعات، وغيرها، في وقت دشن فيه نظام الحكم "ورشا كبيرا" هو مبادرة التنمية البشرية. أين الخلل؟
جواب:
- ذ. الريق: باختصار يمكن أن أقول بأن كثيرا من المبادرات ولدت ميتة، فإذا رجعنا إلى المبادرة المذكورة ممن انطلقت؟ وعلى أي أساس انطلقت؟ وما هي الدراسات التي اعتمدت كي نعتمد هذه المبادرة؟ ومن هي الأطراف التي اقترحت المخرج من خلال هذه المبادرة؟...
فنجد أن هذه المبادرة هي أولا للتسويق الخارجي، وللتمويه على الرأي العام الداخلي، وبالتالي فهي تحمل في طياتها معالم الفشل.
فكيف يمكن أن نتحدث عن تنمية بشرية والحال عندنا أن البشر منهم من يسكن في المراحيض ومنهم من يسكن الأشجار؟! كيف يمكن أن نتحدث عن تنمية بشرية وحالة الأمية الأبجدية في المغرب تتجاوز النصف؟! فلا يمكن إذن أن نتحدث عن تنمية بشرية مع إهمال العنصر المحوري وهو الإنسان. كيف يمكن أن نتحدث عن تنمية بشرية في ظل نظام مستبد يصادر الحريات العامة ؟! كيف يمكن أن نتحدث عن تنمية بشرية في ظل ضعف يقارب العدم للغلاف المخصص للبحث العلمي؟! كيف يمكن أن نتحدث عن تنمية بشرية في ظل إهمال الكفاءات وتهميشها وقمعها حيث نجد الكثير من الدكاترة المعطلين يتعرضون لقمع ممنهج بشكل يومي تتنوع فيه وجبات العصا المخزنية أمام مؤسسة البرلمان التي يفترض فيها تمثيل الشعب؟!... فمبادرة مثل هذه هي لتسويق الوهم أكثر منها معالجة لواقع مكروه.
- ذ. رشيد بوصيري: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على النبي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين.
بالنسبة لإشكالية الوضع الاجتماعي بالمغرب هي بالأساس إشكالية التنمية البشرية والتنمية المستدامة، هذه العناوين العريضة التي نستوردها من منظومة أنبتت في بيئة ديمقراطية وحقوقية، ونحاول نحن أن ننبتها في أرض الاستبداد ومحاربة الكفاءات الوطنية، هذه الإشكالية - التنمية البشرية- يمكن أن نتحدث عنها من خلال عنوان كبير وهو أن طريقنا إلى التنمية طريق مسدود على اعتبار 3 عوائق كبرى:
العائق الأول هو المستوى المتخلف للحقوق السياسية والمدنية التي نحرم الشعب من ممارستها. إننا
نقف في المستوى الذيلي للممارسة الديمقراطية سواء على المستوى المحلي أو الوطني، على مستوى المؤسسات التمثيلية (برلمان) أو على مستوى مؤسسات تدبير الشأن المحلي (الجماعات المحلية).
العائق الثاني هو التنمية المتخلفة رغم المشاريع الاجتماعية المكلفة لكنها تظل وهمية في الواقع الاجتماعي. أشرتَ إلى المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي دخلت عامها الخامس، والتي يمكن الحديث عنها من خلال ثلاثة عناوين كبرى: أولا أنها مشروع يروم أن يكون مشروعا مجتمعيا لكنه للأسف جاء من جهة واحدة، لم تشرك في إعداده و تنزيله لا فعاليات المجتمع المدني ولا الأحزاب، فقط يُؤتى بها لكي تصفق وتبارك ما يقوم به الاستبداد.
العنوان الثاني وهي أنها مشروع مستعجل لأنه جاء في سياق تقرير الألفية للتنمية البشرية الذي وضع المغرب في مراتب متدنية. ثم العنوان الثالث وهو أن المبادرة جاءت في سياق ما سمي بالعهد الجديد بحيث كان النظام ولا يزال في حاجة ماسة إلى تسويق الوهم والوعود لضمان استمرار الاستبداد.
فهي إذا تنمية متخلفة رغم المشاريع الوهمية، وسنؤكد ذلك لاحقا من خلال مجموعة من المؤشرات الرقمية.
العائق الثالث وهو أن اقتصادنا المغربي اقتصاد ريعي، يعتمد على مجموعة من القطاعات الاستراتيجية كالفوسفاط مثلا الذي شكل رافعة اقتصادية خلال 2008 والتي تضاعف فيها ثمنه ثلاث مرات في الأسواق الدولية، لذلك يمكننا أن نقول بأنه ليست لدينا آليات عميقة لاقتصاد قوي يشكل بنية متماسكة. فالاقتصاد الحقيقي يقف على مجموعة من الأركان هي الفلاحة والصناعة... هناك فقط اقتصاد ريعي مرهون بمراكز القرار المالي الدولي ومثخن بالديون السلبية (مديونية متصاعدة مقابل استثمار غير بنيوي).
وأذكر هنا بعض المؤشرات التي تؤكد أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في المغرب أفقها مسدود:
المؤشر الأول: صدر تقرير التنمية البشرية لسنة 2009 بمؤشرات تزيد الطين بلة وتؤكد تخلف التنمية البشرية حيث جعل المغرب في الرتبة 96 من أصل 135 دولة متخلفة (تسمى تجاوزا الدول السائرة في طريق النمو)، بمعنى آخر أن المغرب على رأس 40 دولة من أفقر دول العالم.
المؤشر الثاني: هو مؤشر الفقر (يسمى Iph-1) يتراوح بين حد أدنى 1.5 وحد أقصى 59.8 كنسبة مائوية لمعدل الفقر. المغرب يحتل نسبة 31.3% والحال أنه كلما كان هذا المؤشر قريبا من 59 كلما كانت نسبة الفقر عميقة وبنيوية.
المؤشر الثالث: احتمال الوفاة قبل 40 سنة، هذا المؤشر بالنسبة للمغرب يمثل 6.8%، بمعنى أن أكثر من 2 مليون و300 ألف مغربي مهددون بالموت قبل 40 سنة. وهذه نسبة خطيرة، حيث ظل هذا المؤشر يراوح مكانه منذ 1999 إلى 2007.
المؤشر الرابع: نسبة الساكنة المغربية المحرومة من الماء الصالح للشرب تصل إلى 17%.
المؤشر الخامس: أطفال أقل من 5 سنوات يعانون من قصور في التغذية المتوازنة نسبتهم 10% من سنة 2000 إلى 2006.
المؤشر السادس: الساكنة التي تعيش تحت خط الفقر (أقل من 14 درهما في اليوم) تصل إلى 14% من 2000 إلى 2007.
فمن خلال هذه المؤشرات يظهر أن مشكل التنمية البشرية في المغرب عميق ولا زلنا نبحث عن الحل، وما زالت الأشكال والآليات المعتمدة في التعامل مع التنمية البشرية لم تأخذ الطريق الصحيح نحو الحكامة الجيدة.
سؤال:
في الوضع الاجتماعي دائما، كشفت الفيضانات الأخيرة في الغرب وعدد من مدن الوسط والشرق والجنوب (وحتى الدار البيضاء) هشاشة البنى التحتية والمرافق العامة. كيف تقرؤون ذلك وما دلالاته؟
جواب:
- ذ. الريق: الكل يعرف أن البنيات التحتية عنصر أساسي في أي تنمية، لكن نظرا لطبيعة من يدبر الشأن العام بالبلد وطبيعة المؤسسات التي تُفرزها المسرحية الانتخابية، من جماعات ومجالس بلدية التي من شأنها أن تدير الشأن المحلي، نحن نعرف أن من يدخلون هذه المجالس كثير منهم يعتبرها فرصة لجمع الثروة والانتفاع الذاتي وبالتالي لا همّ لهم سوى أن يسترجعوا ما أنفقوه في الحملة الانتخابية، وعليه فهم غير معنيين بإعداد أساسات التنمية البشرية. ولذلك فمن الطبيعي جدا أن نرى هشاشة البنيات التحتية. والأخطر من ذلك أن الدولة تدرك نقاط هذه الهشاشة ومع ذلك تمنع أطرافا أخرى من أن تساهم في التخفيف من معاناة الفئات المحرومة، وعلى رأس هذه الأطراف جماعة العدل والإحسان التي منع أعضاؤها من مد يوم العون لهذه الفئات المتضررة من الفيضانات حيث تعامل المحزن معنا بهاجس سياسوي، فلا الدولة تدخلت ولا هي سمحت لأطراف أخرى أرادت على الأقل أن تهون على الناس وقع الصدمة وتقدم أقل ما يمكن أن يقدم.
سؤال:
أمام هذا الوضع، يلاحظ تزايد الاحتجاجات الشعبية في المدن والقرى (حتى بتنا نسمع عن النزوح الجماعي). هل يمكن أن نعتبرها بداية المساءلة الشعبية الجادة لتدبير الدولة للشأن الاجتماعي والاقتصادي، أم إنها احتجاجات عفوية سرعان ما تولي أدبارها؟
جواب:
- ذ. الريق: نسجل في البداية ملاحظة وهي أن كثيرا من هذه الاحتجاجات أصبحت خارجة عن إطار المركزيات النقابية، بل تحركها إطارات أخرى من قبيل التنسيقيات وبعض الهيئات الحقوقية. ونستنتج مما سبق غضب فئات عريضة وتذمرها من أداء المركزيات النقابية ومن غياب الديمقراطية في هياكلها الداخلية.
لكن في نفس الوقت لا يمكن أن نقول بأن هذه الاحتجاجات علامة على بداية صحيحة يمكن أن تحول من حركة احتجاجية ظرفية إلى حركة اجتماعية تكون قادرة على انتزاع المطالب المشروعة والإسهام في تحول اجتماعي حقيقي في البلد. وقد تابعنا ما وقع في انتفاضتي سيدي إفني وصفرو والإضرابات النوعية لسائقي الطاكسيات، تبدأ هذه الإضرابات بقوة وتنتهي بنتائج ضعيفة لعدم وجود جهة نقابية تحتضن هذه الحركة، ولذلك ليست هناك تربة طبيعية كي تتحول هذه الاحتجاجات إلى حركة حقيقية.
وفي هذا السياق نطرح ضرورة حوار بين المركزيات النقابية كي تؤسس لفعل راشد من شأنه أن يخرج عامة الشغيلة من هذا الوضع المتأزم الذي نتحدث عنه، وإلا ففي كل مرة سنلاحظ احتجاجا في هذا القطاع أو ذاك لكن سرعان ما يخبو لغياب التأطير الجدي والمسؤول وإلا لا قدر الله قد يصبح للأمر نتائج عكسية حين يتحول الاحتجاج نفسه إلى حالة إحباط لأن ما وقع في سيدي إفني وصفرو وغيرهما انطلق بحركة قوية لكن في تقويم النتائج قد يصابون بالإحباط. لذلك ومن هذا الموقع نحن نؤكد على ضرورة فتح حوار جدي بين كل الفاعلين النقابيين والاجتماعيين قصد تشكيل حركة اجتماعية قوية تكون بداية الحل.
سؤال:
ارتباطا دائما بهذا الوضع الاجتماعي وبالمؤسسات الكبرى التي يمكن أن تقود التنمية البشرية.
ما هو موقفكم في القطاع النقابي لجماعة العدل والإحسان من تأهيل العديد من القطاعات الاستراتيجية العامة في اتجاه الخوصصة؟
جواب:
- ذ. بوصيري: بالنسبة لمسألة الخوصصة هي صيرورة بدأت منذ سنة 1989 بالمصادقة على قانون تحويل المنشآت العامة إلى القطاع الخاص، وهو مخطط رهيب، لماذا؟ لأنه في البداية توجه المشرع أن لا تدخل المؤسسات الإستراتيجية إلى لائحة المؤسسات المقبلة على الخوصصة، لكن بالمصادقة على القانون رقم 69.00 في 2003 تكون الدولة قد دخلت حمى المؤسسات الإستراتيجية بتهييئها وإعادة هيكلتها ليسهل تحويلها إلى القطاع الخاص، كذلك كان هذا المخطط يقوم بعملية ما يسمى إغراق المؤسسات العامة في مديونية عميقة وذلك بتوريط هذه المؤسسات من خلال مشاريع وهمية أو غير ناجعة، بحيث أن بعض المؤسسات الاستراتيجية في المغرب - وهذا مؤشر خطير- أصبح حجم الدّين الخارجي لديها يُضاعف ثلاث مرات حجم أصولها ، وهذه استراتيجية معروفة ب"التخريب قبل التحرير". ويشهد على ذلك التقرير – والتقريع- الصادر في 2010 عن المجلس الأعلى للحسابات، فرغم انتقائية الملفات وغياب آليات للمحاسبة الشفافة، قد نقول إن هذه التقارير توظف توظيفا سياسويا لأجل ابتزاز الفاعلين السياسيين.
التخلي عن القطاعات الاستراتيجية لم يتوقف يوما حيث هي الآن تعد على رؤوس الأصابع: هناك بريد المغرب الذي حُول إلى شركة مساهمة مع قانون صودق عليه في 2009، المكتب الشريف للفوسفاط أصبح كذلك شركة مساهمة، المكتب الوطني للماء والمكتب الوطني للكهرباء اللذان يدمجان في إطار مؤسسة واحدة لكي يسهل جمع كل الأنشطة التي يقومان بها من خلال مؤسسة عمومية في مرحلة أولى ثم إلى شركة مساهمة مهيأة للرأس المال الأجنبي فيما بعد. إذن هي مؤسسات عمومية الآن لكنها مهيأة لكي يتم التخلي عنها للخواص.
سؤال:
لحل عدد من الاختلالات الاجتماعية والاقتصادية، خاصة ما يرتبط منها بالعمال والأجراء والفئات الشغيلة، تنخرط الحكومة والنقابات وأرباب العمل في آلية الحوار الاجتماعي.
ما هو تقييمكم لنتائج هذا الحوار، وسير الحوار الاجتماعي في المغرب؟
جواب:
- ذ. الريق: أولا نحن نتحدث عن معايير متعارف عليها دوليا ولكن البيئة المغربية الممخزنة لا تستجيب لهذه المعايير، فقد تواضع الناس في كل بلدان العالم على دلالة معينة للحوار الاجتماعي، فطرف يمثل الدولة وطرف يمثل أرباب العمل ثم طرف ثالث يمثل الأجراء وهي المركزيات النقابية الأكثر تمثيلا، هذا ما تواضع عليه الناس. ولكن كل شيء في المغرب ينبغي أن نفحصه بدقة لأننا أمام معايير مختلفة، فمثلا عندما نتحدث عن الحوار الاجتماعي في المغرب فإننا نتحدث بكثير من التجاوز، إذ المفروض أن الحكومة تحكم فعلا، لكننا في المغرب أمام حكومة للواجهة تدبر تعليمات الحكومة الفعلية الخفية، وأيضا عندما نتحدث عن أرباب العمل فهم أنفسهم يعانون من ضغط المخزن الاقتصادي، لأنهم رهينة لأصحاب القرار، وأيضا عندما نتحدث عن المركزيات النقابية فإننا نتحدث عن طرف آخر له خطوط حمراء لا يمكن أن يتجاوزها. فإذن نحن نتحدث عن حوار هو أقرب إلى المجاز منه إلى الحقيقة.
لكن على كل حال، فمن خلال تتبع الحوار الاجتماعي لهذه السنة، ومن خلال تتبع ما أعلنت عنه الحكومة -من حصيلة اجتماعية هزيلة- من جانب واحد دون الرجوع إلى المركزيات النقابية يتبين أن هناك خللا بنيويا لأن كل طرف لا يملك قراره بيده فلا الحكومة تملك قرارها بيدها لأنها صورية، ولا أرباب العمل لهم كامل الحرية في تدبير ملفاتهم بمعزل عن إكراهات المخزن الاقتصادي ولا المركزيات النقابية قادرة على الدفاع عن المطالب العادلة للشغيلة.
ثانيا: واقع المشهد النقابي
سؤال:
كيف تقرؤون من داخل القطاع النقابي للعدل والإحسان بعض التنسيقات التي تمت بين بعض المركزيات النقابية في بعض المحطات النضالية والإضرابات وهل هذا في صالح المشهد النقابي؟
جواب:
ذ. مصطفى الريق: الأمين القطري للقطاع النقابي لجماعة العدل والإحسان
- ذ. الريق: إذا رجعتم إلى بيان فاتح ماي تجدون تنويها بهذا التنسيق لأننا نعتبره خطوة في اتجاه الجبهة النقابية التي ندعو إليها. فنحن نرى أن التفتت والتشرذم النقابي لا مبرر له ولا يخدم أحدا، ونرى أن العمل المشترك هو السبيل للخروج من هذا الواقع، وهو في نظرنا اختيار استراتيجي، ونتمنى أن لا يكون هذا التنسيق اختيارا تكتيكيا رهين ببعض الظرفيات والملفات آملين أن يتحول إلى اختيار استراتيجي يقتنع به الجميع ويعمل من أجل تحقيقه.
سؤال:
ما هي الخطوات الأخرى للخروج بالعمل النقابي من واقع التشرذم إلى أفق أفضل للجميع؟
جواب:
- ذ. بوصيري: حقيقة هناك واقع نقابي متشرذم، وليست له فاعلية لدرجة أن الحكومة تجاوزت المركزيات النقابية في ملف كبير من حجم الحوار الاجتماعي، ينبغي أن نذكر بمسألة مهمة للتاريخ كانت بمثابة العامل الموحد للفاعلين النقابيين في المغرب عند تأسيس الاتحاد المغربي للشغل سنة 1955 حيث استطاعت مركزية وحيدة أن تجمع كل الأطراف والأطياف -سلفية وطنية، يسارية...- حول مشروع مجتمعي –استقلال المغرب- استطاع أن يوحد الجميع، لكن بعد ذلك تحول المشروع المجتمعي المشترك إلى مشاريع ظرفية إما بسبب التموقع مع المخزن أو بسبب الحزبية الضيقة.
فبالنسبة لنا نعتبر أن المدخل الحقيقي للخروج بالعمل النقابي من أزمته الحالية هو بناء حركة نقابية يكون عنوانها: العمل المشترك، ومشروعها حركة اجتماعية، وأساسها الحرية، وهدفها العدالة الاجتماعية. ولذلك فنحن نحذر، في حال عدم التوافق على هذا الحل، أن يزداد الوضع النقابي تشرذما والأزمة استفحالا، بل أكثر من هذا نحذر من مشروع المخزن النقابي، فقد عشنا عواقب المخزن السياسي والاقتصادي سابقا، والآن نعيش بوادر مشروع المخزن النقابي من خلال مناوراته بجمع فلول الغاضبين والمتذمرين من الوضع الحالي الناتج عن عدم تطوير المركزيات النقابية لأدوات اشتغالها وخطابها مما نتج عنه بون شاسع بين القيادات والقواعد ولعل المتتبع لمسيرات فاتح ماي يلمس هذا العزوف.
سؤال:
دائما في إطار الحديث عن أزمة العمل النقابي الراهنة وتراجع المركزيات جماهيريا نلاحظ أنه في انتخابات المأجورين الأخيرة حصل اللامنتمون على ما يفوق نسبة 64 في المائة من المقاعد. هل هي إدانة للعمل النقابي في المغرب؟
جواب:
ذ. رشيد بوصيري: عضو المكتب القطري للقطاع النقابي للجماعة
- ذ. بوصيري: ظاهرة المستقلين في الانتخابات المهنية الأخيرة هي إشكالية لها أكثر من قراءة، فالمركزيات النقابية تعتبر مناديب العمال غير المنتمين لها أداة السلطة لضرب العمل النقابي، في حين يرى المستقلون أن العمل النقابي بشكله الحالي، أي في غياب الديمقراطية الداخلية وسيادة التبعية الحزبية لم يعد إطارا مريحا للعمل والاشتغال، إذن هناك قراءات متعددة، لكن في نظرنا هي ظاهرة جديرة بالدراسة والرصد، خاصة في القطاع الخاص الذي تعتبر الحكومة أن وجود المستقلين فيه هو ضمانة وعامل مشجع لاستقطاب الاستثمار الخارجي، ونرى أنه على العكس من ذلك هو إحدى المؤشرات على غياب حرية العمل النقابي وهو ما تعكسه التقارير الدولية.
- ذ. الريق: إضافة لما تفضل به الأستاذ رشيد، نُذكر بأن هذه أول انتخابات مهنية تُجرى في ظل مدونة الشغل الجديدة التي ركزت في ديباجتها على ضرورة تشجيع الاستثمار الأجنبي، فمن الطبيعي أن تعمل الحكومة جاهدة على إبراز هذا المؤشر والنفخ فيه ليكون رسالة طمأنة موجهة للأجانب بالأساس، وهو في نفس الوقت رسالة ضغط موجهة إلى المركزيات النقابية لكي تعرف حجمها وتتفاوض من موقع الضعيف الذي ينبغي أن يقبل بنتائج الحوار كيفما كانت.
سؤال:
البعض يشكك في جدية العمل النقابي الآن خاصة المرتهن منه سياسيا وحزبيا، ماهو التوازن المطلوب في العلاقة بين السياسي والحزبي والنقابي؟
جواب:
- ذ. الريق: للأسف نلاحظ أن كل حزب سياسي في المغرب يؤسس نقابة ملحقة به تمرر خطابه وتساهم في الدعاية السياسية له في الانتخابات وغيرها، لذا نعتقد أن النقابة الحزبية أضرت بالعمل النقابي عموما، وكانت سببا في عزوف الكثيرين عنه، أو سببا في إحداث إطارات عمل خارج المركزيات. وفي اعتقادنا إذا كان هدف العمل النقابي هو الدفاع عن المصالح المادية والمعنوية لمن يمثلهم، وهو هدف يشترك فيه كل الفاعلين النقابيين، فلماذا هذا التفتيت والتشرذم؟ ولذلك فنحن ندعو إلى إطار نقابي جامع يضم كل الأطراف مهما اختلفت مشاربها السياسية وقناعتها الفكرية، وفي هذا السياق ننوه بالتجربة التي خاض غمارها الاتحاد الوطني للمهندسين المغاربة في مؤتمره الأخير، حيث تضافرت جهود الجميع من أجل إعادة بناء الاتحاد رغم اختلاف الانتماءات السياسية والإيديولوجية وهو ما أعطاه زخما قويا وجعله إضافة نوعية في تاريخ العمل النقابي المغربي.
سؤال:
من داخل الممارسة الميدانية ما هو واقع حرية العمل النقابي (حق النقابات وممثليها في العمل النضالي والنقابي اليومي)؟
جواب:
- ذ. بوصيري: إشكالية الممارسة النقابية هي تابعة للإشكالات السابقة، فحرية الممارسة النقابية بالمغرب معرضة للتضييق أكثر من أي وقت مضى، إشكال نقابي ذاتي أصلا، إذ أن محاربة العمل النقابي الجاد تأتي أحيانا من داخل الدار وهو نتاج هيمنة الحزبي على هموم النقابة مما يدخل النقابات في صراعات بينية.
ومن جهة ثانية هناك جيل من الممارسين النقابيين الذين لم يعودوا مقتنعين بالمقاربة الظرفية لرواد العمل النقابي الذين ما زالوا على هرم المركزيات النقابية منذ التأسيس. هناك جيل أصبح يبحث عن ذاته ويمارس العمل النقابي بامتياز وبسقف نضالي ربما أعلى من المركزيات نفسها، هذا الجيل الآن أصبح يضع القيادات التاريخية للنقابات أمام خيارات، إما استيعاب هذه الممارسات النقابية وفتح المجال من أجل بناء نقابية جادة وحركة اجتماعية تأخذ زمام المبادرة، وإما ستنقلب هذه القيادات الشابة على تلك القيادات التاريخية.
أما الإشكال الثاني فهو تحكم الحزبي في النقابي، فإشكالية العمل النقابي في المغرب مرهونة بالأساس بالتبعية المكرهة للخيارات الحزبية. ينبغي للنقابات أن تتحرر من هذه التبعية، ينبغي أن تأخذ زمام المبادرة، ينبغي أن يكون لها مقاربتها الاجتماعية لبحث وإيجاد حلول عملية من خارج المقاربة الحزبية المرتهنة للمخزن.
إن استوفينا هذه الشروط، إن أكدنا على البناء الذاتي للحركة النقابية، وفتح المجال لهؤلاء الشباب الممارس الذي تمرد على الخطوط الحمراء للقيادة التاريخية، إن أبعدنا العمل النقابي عن الجانب السلبي للتبعية الحزبية، سيمكننا أن نجابه المخزن الذي يحارب العمل النقابي. من غير هذا الإعداد الأولي لا يمكننا أن ننتصر في معركة إحقاق حق الممارسة النقابية.
سؤال:
سينعقد يوم 28 و29 ماي المقبل المؤتمر التأسيسي لكيان جديد هو "اتحاد النقابات المستقلة بالمغرب". كيف ستتعاطون مع هذا الوليد الجديد؟ وهل هذا التأسيس في صالح المشهد النقابي المغربي؟
جواب:
- ذ. الريق: أولا نحن في عنوان بيان فاتح ماي الأخير، أكدنا على مبدأ الحرية. لكن معالم التأسيس بخصوص هذا الاتحاد لما تتضح بعد، ونحن نعلم أن المبادرين لتأسيس النقابات المستقلة هم في مجملهم كانوا غاضبين على غياب الديمقراطية الداخلية والبعد النضالي في المركزيات التي كانوا ينتمون إليها. فإن كان تأسيس هذا الاتحاد نابعا من إرادة مستقلة، تعكس رغبة هذه الهيئات قصد توحيد الفعل النضالي وتقويته فلا يسعنا إلا أن نحيي المبادرة.
لكن التحدي المطروح أمام هذا الاتحاد هو هل سيتمكن فعلا من إعمال آليات الديمقراطية الداخلية ومن رفع سقفه النضالي في ظل الإكراهات المشار إليها سابقا؟ أم ستتسرب إليه يد المخزن وتفعل به ما فعلت بغيره؟.
يتبع بالجزء الثاني من الحوار
تاريخ النشر: السبت 1 ماي/أيار 2010