شعر حسان في تأنيب قريش
فقال حسان بن ثابت بعد أحد في غزوة بدر الآخرة يؤنب قريشا لأخذهم تلك الطريق
دعوا فلجات الشام قد حال دونها
جلاد كأفواه المخاض الأوارك
بأيدي رجال هاجروا نحو ربهم
وأنصاره حقا وأيدي الملائك
إذا سلكت للغور من بطن عالج
فقولا لها ليس الطريق هنالك
قال ابن هشام : وهذه الأبيات في أبيات لحسان بن ثابت نقضها عليه أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ، وسنذكرها ونقيضتها إن شاء الله ( في ) موضعها .
--------------------------------------------------------------------------------
وفيها يقول حسان
دعوا فلجات الشام قد حال دونها
الفلجات جمع فلج وهي العين الجارية يقال ماء فلج وعين فلج وذكره أبو حنيفة : فلحات بالحاء المهملة وقال الفلحة المزرعة . حول كلمة المخاصمة والملك وقوله
جلاد كأفواه المخاض الأوارك
أي التي أكلت الأراك ، فدميت أفواهها ، والمخاض واحدتها خلفة من غير لفظها ، وهي الحامل [ من النوق ] ، وقد قيل في الواحد ماخض ومنه قول الطائي
وأخرتها عن وقتها وهي ماخض
وعندي أن المخاض في الحقيقة ليس بجمع إنما هو مصدر ولذلك وصف به الجميع وفي التنزيل فأجاءها المخاض وقولهم ناقة ماخض كقولهم حامل أي ذات مخاض وذات حمل وقد يقول الرجل لنسائه أنتن الطلاق فليس الطلاق بجمع وإنما معناه ذوات طلاق وكذلك معنى المخاض أي ذوات مخاض غير أنه قيل للواحدة ماخض ولم يقل ناقة مخاض أي ذات مخاض كما يقال امرأة زور وصوم لأن المصدر إذا وصف به فإنما يراد به الكثير ولا تكثير في حمل الواحدة ألا ترى أنك تقول هي أصوم الناس وما أصومها ، ولا يقال إذا حبلت ما أحبلها ، لأنه شيء واحد كما لا يقال في الموت ما أموتها ، فلما عدم قصد التكثير والمبالغة لم توصف به كما لا توصف بالسير إذا قلت : ما هي الأسير فإذا كانت إبلا كثيرة حصل معنى الكثرة فوصفت بالمخاض وهو المصدر لذلك فإن قلت : فقد يقول الرجل أنت الطلاق وأنت الفراق قلنا : فيه معنى التكثير والمبالغة ولذلك جاز لأنه شيء يتمادى ويدوم لا سيما إن أراد بالطلاق الطلاق كله لا واحدة ولي كذلك المخاض والحمل فإن مدته معلومة ومقداره مؤقت .
وقوله بأيدي الملائك هو جمع ملك على غير لفظه ولو جمعوه على لفظه لقالوا : أملاك ولكن الميم من ملك زائدة فيما زعموا ، وأصله مألك من الألوك وهي الرسالة قال لبيد :
وغلام أرسلته أمه
بألوك فبذلنا ما سأل
وقال الطائي :
من مبلغ الفتيان عني مألكا
أبي متى يتثلموا أتهدم
و [ أبو تمام حبيب بن أوس ] الطائي وإن كان متولدا ، فإنما يحتج به لتلقي أهل العربية له بالقبول وإجماعهم على أنه لم يلحن وإذا كان الأصل فيه مألكا فإنما قلبوه إرادة إلغاء الهمزة إذ سهلوا ولو سهلوا مألكا ، والهمزة مقدمة لم تسقط وإنما تسقط إذا سكن قبلها ، فقالوا : ملك ، فإذا جمعوا عادت الهمزة ولم تعد إلى موضعها لئلا ترجع كجمع مألكة وهي الرسالة ولو قيل إن لفظ ملك مأخوذ من الملكوت فلذلك لم يهمز لأن . أكثر الملائكة ليسوا برسل ولو أريد معنى الرسالة لقالوا : مؤلك كما تقول مرسل ولضمت الميم في الواحد وتكون الهمزة على هذا زائدة في الجميع كما زادوها في شمأل وهي من شملت الريح لكان هذا وجها حسنا ، وسر زيادة الهمزة في شمأل وهي من شملت الريح فأطلعت الهمزة رأسها لذلك إذ قد اجتمع فيها أنها من عن شمال البيت وأنها شامية وكذلك الملائكة هم من ملكوت الله وفيهم رسل وكواحد منهم من ملكوت الله فقط لأنه لا يتبعض كما تتبعض الجملة منهم فأما قول الشاعر
فلست لا لإنسي ولكن لمألك
تنزل من جو السماء يصوب
فهمز مألكا ، وهو واحد والبيت مجهول قائله وقد نسبه ابن سيده إلى علقمة وأنكر ذلك عليه ومع هذا فقد وصف مألكا بالرسالة لقوله تنزل من جو السماء يصوب فحسن الهمزة لتضمنه معنى الألوك كما حسن في جملة الملائكة إذ للجملة بعض هم إرسال والكل من ملكوت الله سبحانه وليس في الواحد إلا معنى الملكوتية فقط حتى يتخصص بالرسالة كما في هذا البيت المذكور فيتضمن حينئذ المعنيين فتطلع الهمزة في اللفظ لما في ضمنه معنى الألوك وهي الرسالة .
فقال حسان بن ثابت بعد أحد في غزوة بدر الآخرة يؤنب قريشا لأخذهم تلك الطريق
دعوا فلجات الشام قد حال دونها
جلاد كأفواه المخاض الأوارك
بأيدي رجال هاجروا نحو ربهم
وأنصاره حقا وأيدي الملائك
إذا سلكت للغور من بطن عالج
فقولا لها ليس الطريق هنالك
قال ابن هشام : وهذه الأبيات في أبيات لحسان بن ثابت نقضها عليه أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ، وسنذكرها ونقيضتها إن شاء الله ( في ) موضعها .
--------------------------------------------------------------------------------
وفيها يقول حسان
دعوا فلجات الشام قد حال دونها
الفلجات جمع فلج وهي العين الجارية يقال ماء فلج وعين فلج وذكره أبو حنيفة : فلحات بالحاء المهملة وقال الفلحة المزرعة . حول كلمة المخاصمة والملك وقوله
جلاد كأفواه المخاض الأوارك
أي التي أكلت الأراك ، فدميت أفواهها ، والمخاض واحدتها خلفة من غير لفظها ، وهي الحامل [ من النوق ] ، وقد قيل في الواحد ماخض ومنه قول الطائي
وأخرتها عن وقتها وهي ماخض
وعندي أن المخاض في الحقيقة ليس بجمع إنما هو مصدر ولذلك وصف به الجميع وفي التنزيل فأجاءها المخاض وقولهم ناقة ماخض كقولهم حامل أي ذات مخاض وذات حمل وقد يقول الرجل لنسائه أنتن الطلاق فليس الطلاق بجمع وإنما معناه ذوات طلاق وكذلك معنى المخاض أي ذوات مخاض غير أنه قيل للواحدة ماخض ولم يقل ناقة مخاض أي ذات مخاض كما يقال امرأة زور وصوم لأن المصدر إذا وصف به فإنما يراد به الكثير ولا تكثير في حمل الواحدة ألا ترى أنك تقول هي أصوم الناس وما أصومها ، ولا يقال إذا حبلت ما أحبلها ، لأنه شيء واحد كما لا يقال في الموت ما أموتها ، فلما عدم قصد التكثير والمبالغة لم توصف به كما لا توصف بالسير إذا قلت : ما هي الأسير فإذا كانت إبلا كثيرة حصل معنى الكثرة فوصفت بالمخاض وهو المصدر لذلك فإن قلت : فقد يقول الرجل أنت الطلاق وأنت الفراق قلنا : فيه معنى التكثير والمبالغة ولذلك جاز لأنه شيء يتمادى ويدوم لا سيما إن أراد بالطلاق الطلاق كله لا واحدة ولي كذلك المخاض والحمل فإن مدته معلومة ومقداره مؤقت .
وقوله بأيدي الملائك هو جمع ملك على غير لفظه ولو جمعوه على لفظه لقالوا : أملاك ولكن الميم من ملك زائدة فيما زعموا ، وأصله مألك من الألوك وهي الرسالة قال لبيد :
وغلام أرسلته أمه
بألوك فبذلنا ما سأل
وقال الطائي :
من مبلغ الفتيان عني مألكا
أبي متى يتثلموا أتهدم
و [ أبو تمام حبيب بن أوس ] الطائي وإن كان متولدا ، فإنما يحتج به لتلقي أهل العربية له بالقبول وإجماعهم على أنه لم يلحن وإذا كان الأصل فيه مألكا فإنما قلبوه إرادة إلغاء الهمزة إذ سهلوا ولو سهلوا مألكا ، والهمزة مقدمة لم تسقط وإنما تسقط إذا سكن قبلها ، فقالوا : ملك ، فإذا جمعوا عادت الهمزة ولم تعد إلى موضعها لئلا ترجع كجمع مألكة وهي الرسالة ولو قيل إن لفظ ملك مأخوذ من الملكوت فلذلك لم يهمز لأن . أكثر الملائكة ليسوا برسل ولو أريد معنى الرسالة لقالوا : مؤلك كما تقول مرسل ولضمت الميم في الواحد وتكون الهمزة على هذا زائدة في الجميع كما زادوها في شمأل وهي من شملت الريح لكان هذا وجها حسنا ، وسر زيادة الهمزة في شمأل وهي من شملت الريح فأطلعت الهمزة رأسها لذلك إذ قد اجتمع فيها أنها من عن شمال البيت وأنها شامية وكذلك الملائكة هم من ملكوت الله وفيهم رسل وكواحد منهم من ملكوت الله فقط لأنه لا يتبعض كما تتبعض الجملة منهم فأما قول الشاعر
فلست لا لإنسي ولكن لمألك
تنزل من جو السماء يصوب
فهمز مألكا ، وهو واحد والبيت مجهول قائله وقد نسبه ابن سيده إلى علقمة وأنكر ذلك عليه ومع هذا فقد وصف مألكا بالرسالة لقوله تنزل من جو السماء يصوب فحسن الهمزة لتضمنه معنى الألوك كما حسن في جملة الملائكة إذ للجملة بعض هم إرسال والكل من ملكوت الله سبحانه وليس في الواحد إلا معنى الملكوتية فقط حتى يتخصص بالرسالة كما في هذا البيت المذكور فيتضمن حينئذ المعنيين فتطلع الهمزة في اللفظ لما في ضمنه معنى الألوك وهي الرسالة .